کد مطلب:306535 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:251

بدر و فرحة الزهراء


فكانت هی فاتحة النصر المبین الذی اضاء صفحات تاریخ الاسلام بضیاء الحریة «انتصار الحق علی الباطل» و هی النصر لرایة الدین الجدید، حینما جازت محنتها «الفئة القلیلة فغلبت الفئة الكثیرة بأذن اللَّه».

.. اذ بدا الافق البعید، الرائع الطلعة فی زرقته من وراء ستار رقیق كالسنا، یبدو عمیقاً عمیقاً.. بینما اخذ ینتشر فی الجو عبق البخور، و شذی الازهار المتهالك علی بیت الوحی.

و كأنی بفاطمة تجلس امام هذا المنظر تتطلع فی السماء.. تشكر اللَّه علی آلائه،و فرحة النصر قد علت ملامحها و اطیاف بسمة خفیة اخذت تتسرب الی فؤادها.

فهی الآن تری الاسلام مؤزراً بنصر من اللَّه، و تری النبی المهاجر الذی تحمل


كل مشقات الرسالة حبوراً بهذه النصر العظیم.. فكانت تتمنی لو أن خدیجة و اباطالب هم من الاحیاء؛ كی تلمس منهم تلك الفرحة التی منَّ الله بها علی هذا الدین. فمعركة بدر قد ادخلت السرور الی قلب الزهراء.

و ها هی تنظر الی الانجم الزواهر و تتمعن ببریقها، فتطفو علیها سعادة كبری نابعة من اوصال روحها.

فقد فشل عبدة الاوثان فشلاً ذریعاً، و لُقنوا درساً لن ینسوه حینما اختطف علی رؤوس شیاطینهم.. و رمی بها اشلاءاً متناثرة.

.. اجل تراجع الباطل امام الاسلام، و توج دین محمد صلی اللَّه علیه و آله و سلم بالنصره والعزة من رب العالمین بعد ان تساقطت تیجانهم المزیفة الخاویة.

.. وها انت سیدتی تستقبلین هذا اللیل الذی یطوی معه ذكریات الماضی المنصرم یوم مات ابوطالب و خدیجة، و یوم هاجر عنك ابوك مستخفیاً بین رمال القفار.. و انت الان سارحة بتلك الخواطر التی انتهت بهذا النصر المؤازر الذی اعز الاسلام و قائدة.

.. وها انت الیوم تستقبلین هذه الفرحة، بقلب ملؤه السعادة والحبور اذ النجوم تسقط بضوئها الرائع علی بقعتك المباركة.

تلك البقعة التی افترشت بها البتول [1] مصلاها وسط محرابها الازهر لتقف امام ربها تصلی النافلة و هی تدعوه ان یثبت اقدام المسلمین..

ثم تبدأ الزهور بارسال عبقها الذكی نحو الزهراء.. فیمر علیها اللیل محفوفاً بالسكون والخشوع لله سبحانه.. و ما ان ینقضی حتی یحل الفجر الصبوح، و فاطمة ما تزال بین راكعة و ساجدة، الی ان تورّمت قدماها.


.. فیتسرب الی روحها صوت بلال الرقیق و هو یؤذن.. فتقوم مرة اُخری و كأنها زهرة اقاح تتفتح علی رذاذ قطر الندی فی فجرها المبكر نشطة مبتهجة.

هكذا كانت البتول.. بتول زمانها.

ثم ینقشع الفجر بشمسه المضیئة.. و قد ارتدی حلتهُ المشرقة المنیرة، و یقبل الاب علی فلذته یحمل معه تلك الاحاسیس والعواطف التی تطوی كیانه تجاه زهرائه.. اذ لم تفارقه تلك الابتسامة العذوبة.. و هو یبادرها بالسلام.. فیقبل یدیها.. و تقبل یدیه [2] فیفیض محیاها بشمس نور جمالها.. و هی قابضة علی یدیه الشریفتین تلثمهما تقبیلاً و ترسلهما علی خدیها المتوردتین بنورها الازهر، اذ انها تعبر عن اشتیاقها لهذا القلب الذی لا یفتر حبه لها ابداً ابداً.

.. فلقد تربت بنت الهدی فی حجر خدیجة الدافی.. فما افاء علیها ذلك الحجر و الدف الا ضئیلا- فخطف القدر منها امها الحنون- فاخذها سید المرسلین و كمال الدین.. فزقها من علمه و حكمته و حلمه و ایمانه.. فتغذت من روحه التی تنهل عن خالقه.. و ترعرعت وسط احضان بحر العلوم والجود والكرم و الكبریاء.

فمشت علی دربه الملئ بالاشواك و الایثار، و كلها رضاً و سعادة ما دامت بجنبه ترعاه بماء عیونها، و تغدق علیه كمثل اُم تتحمل كل عسیر من اجل سعادة ولدها.

.. و هكذا كبرتِ سیدتی و مولاتی.. فصرت منهلاً من مناهل العلم والفقه والحكمة فتبؤأت مقاماً محموداً، عند ملیك مقتدر، فی اعلی علیین [3] .. فانت الام


والابنة لهذا النبی العظیم.

فنشرت شراعك النورانی سیدتی علی صفحات التاریخ، لتكتب حروف ایثارك و صبرك من اجل الدین الجدید، الذی حوربَ لیُقتل حقه فأسندتیه انت برعایتك للنبی تریحین عنه كل المشقات، لیسمو الاسلام عالیاً فی كل الدنیا.



[1] (ابن الاثير) في النهاية في مادة (بتل) قال سميت فاطمة (البتول) لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً (و قيل) لانقطاعها عن الدنيا الي اللَّه تعالي.

(و قال) عبيدة الهروي (في الغربيين) سميت فاطمة بتولاً لانها (بتلت) عن النظير.

[2] صحيح الترمذي ج 2 ص 319، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 154، الحاكم في مستدركه ج 4 ص 172، أبوداود ج 3 ص 223، الادب المفرد ص 136، أحمد بن حنبل ج 3 ص 164، صحيح مسلم في فضائل الصحابة، البخاري ص 141، فتح الباري ج 9 ص 200، و غيرهم.

[3] مستدرك الصحيحين ج 3 ص 185، ذخائر العقبي ص 44، الاستيعاب ج 2 ص 720، مسند احمد ج 1 ص 293، الهيثمي ج 9 ص 223، كنزالعمال ج 6 ص 217، البغدادي ج 4 ص 391، الترمذي ج 2 ص 301، تفسير ابن جرير ج 3 ص 180، أسدالغابة ج 5 ص 427، و غيرهم.